أسماء الحسيني (القاهرة، الخرطوم)
رحبت دولة الإمارات العربية المتحدة بالاتفاق على الوثيقة الدستورية في السودان الشقيق والتوقيع عليها بالأحرف الأولى. وأوضح بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي أنّ التوقيع الذي جرى، أول أمس، على الإعلان الدستوري بين ممثلي المجلس العسكري وائتلاف المعارضة الرئيسي هو حجر الزاوية لتحقيق الشعب السوداني التقدّم والازدهار.
وأضاف البيان: «دولة الإمارات تجدّد التأكيد على دعمها للعملية السياسية في السودان الشقيق، وتحض جميع الأطراف السياسية والشعبية على التوحّد وتغليب المصلحة الوطنية كي يمضي السودان نحو الاستقرار».
يأتي ذلك فيما واصل السودانيون احتفالاتهم بتوقيع الإعلان الدستوري، حيث خرجت أعداد كبيرة من الشباب إلى الشوارع، وانتشر بائعو الأعلام السودانية، وحرصت المطاعم والمقاهي على إذاعة الأغاني الوطنية، كما صدحت مكبرات صوت وضعها أصحاب متاجر بتلك الأغاني، فيما ظل مستقلو السيارات يطلقون أبواقها ابتهاجاً بالاتفاق المقرر أن يوقع بشكل نهائي في احتفال يشهد حضوراً دولياً وإقليمياً في 17 أغسطس الجاري.
ورحبت أحزاب سياسية ونقابات وفعاليات اجتماعية بتوقيع الاتفاق، وذكر حزب الأمة القومي أن توقيع الإعلان الدستوري فاتحة لنظام شراكة على مستوى السيادة والسلطة المدنية، مشيراً إلى أنه تجسيد لشراكة أوجبتها الثورة الشعبية، والتجاوب العسكري التاريخي.
وأكد محمد عصمت يحيى، رئيس الحزب الاتحادي الموحد، القيادي بقوى الحرية والتغيير، لـ«الاتحاد»، أهمية بناء وتشكيل الوعي السياسي في المجتمع بعد توقيع الاتفاق، والتمسك باختيار الأكفاء لتولي المناصب في المرحلة الانتقالية.
وأعلن بابكر فيصل، القيادي بقوى الحرية والتغيير، أنه بالتوقيع على الوثيقة الدستورية المكملة للاتفاق السياسي تبدأ مرحلة جديدة، وهي مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة ومرحلة البناء، مؤكداً أن الأولوية خلال الفترة الانتقالية تتمثل في تحقيق السلام الشامل، والوفاء بشعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، موضحاً في الوقت نفسه أن تحديات المرحلة كبيرة، وتتطلب بذل جهود مكثفة لتجاوزها.
ورحبت مبادرة «أساتذة الجامعات السودانية» بتوقيع الوثيقة الدستورية، داعية إلى وضع خريطة سياسية سلمية تنقذ البلاد وتخرجها لبر الأمان. وقال الدكتور مصطفى نجم البشاري، رئيس المبادرة: «إننا نريد الإسهام في الوعي وتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف».
كما رحبت «نقابة المحامين» السودانيين بتوقيع الوثيقة، مؤكدة أن تلك الخطوة من شأنها أن تسهم في استقرار وأمن البلاد، ودفع عجلة التنمية في السودان عبر برامج الوحدة والاتفاق بين مكونات الشعب السوداني، ورسم المستقبل برؤية يُجمع عليها السودانيون. وقال نقيب المحامين السودانيين عثمان محمد الشريف، إن السودان أحوج ما يكون لدستور انتقالي يحكم الفترة الانتقالية التي يجب أن تلبي أشواق وتطلعات السودانيين في بناء دولتهم المنتظرة. وقال القيادي بتجمع المهنيين محمد ناجي الأصم إن الفترة الانتقالية لن تكون نزهة بل هي تحديات متتابعة وعمل شاق ودؤوب.
من جانبها، انتقدت الجبهة الثورية في السودان وثيقة الإعلان الدستوري مجدداً، وأشارت إلى أن ورقة «أديس أبابا» للسلام لا تقبل التجزئة. وقال مني أركو مناوي، الأمين العام للجبهة الثورية، في تصريحات لـ«الاتحاد»، إن الجبهة الثورية وبعد اجتماع مطول كونت لجنتين، سياسية وقانونية، للتعاطي مع الموقف الجديد والرد على الاتفاق الذي لم يلتزم بالاتفاق مع الجبهة الثورية. ومن جانبه، قال جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة المسلحة، إن قضايا محورية في وثيقة الجبهة الثورية السودانية لم تجد طريقها إلى الوثيقة الدستورية التي وقعت بالأحرف الأولى.
وفي المقابل، أكدت قوى الحرية والتغيير تضمين رؤية الجبهة الثورية في الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها مع المجلس العسكري الانتقالي. وأوضحت: «تخصيص فصل كامل من الاتفاق تحت مسمى ترتيبات السلام في الوثيقة».
وقال أحمد ربيع، القيادي في الحرية والتغيير، إن ممثل الجبهة الثورية التوم هجو كان حاضراً في الاجتماعات التي عقدت مع المجلس العسكري الانتقالي، كما أكد وجدي صالح، القيادي في قوى الحرية والتغيير، تضمين جميع مطالب الجبهة الثورية في الإعلان الدستوري، وقال: «ليست هناك نقاط جوهرية لم يتم تضمينها في الوثيقة الدستورية كما زعمت الجبهة الثورية، حيث إن بعض النقاط والقضايا السياسية المتفق عليها لا يمكن أن تتحول إلى نصوص دستورية من ناحية فنية».
وقال عثمان البشري، القيادي بحزب الأمة، لـ«الاتحاد»، إن الاتفاق حقق أهدافاً مهمة ظل الشعب السوداني يطالب بها، وأهمها حلم الانتقال للحكم المدني، كما أكد أن الضامن للحكم الانتقالي هو مشاركة المؤسسات العسكرية والمدنية على حد سواء، كما شدد على سيادة القانون على الجميع دون استثناء أو حصانة لأحد. وتوقع البشري أن يصطدم الاتفاق بعد حين بعراقيل بقايا وفلول النظام السابق، وهو ما يدعو الشريكين إلى الحذر لتفويت الفرصة على المتربصين.
وأكد الخبير السوداني دكتور صلاح البندر، رئيس وحدة دراسات التطرف بجامعة كامبريدج لـ«الاتحاد»، أن الصراع سيستمر، وأن توقيع الاتفاق ليس مرحلة جديدة، وإنما هو فترة جديدة في مرحلة عصيبة، ويستند إلى توازن الضعف الهش، ولذلك لن يستطيع أن يواجه تحديات الفترة الانتقالية.
ويقول الخبير الأمني السوداني اللواء حنفي عبد الله لـ«الاتحاد» إن هناك فرصة لاستمرار التفاهمات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري إذا راعى الطرفان طبيعة الشراكة بينهما، وبطرحهما لشخصيات متوازنة لقيادة المرحلة الانتقالية، وكذلك باستيعاب الحركات المسلحة، وعدم توظيف ضغط الشارع.
ولد لبات: مهمتي انتهت وهذه المحطة الأهم في مسيرتي
أعلن الوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لبات أن مهمته انتهت، وأنه سيغادر السودان لأن تكليفه الذي حدده له الاتحاد الأفريقي انتهى، معلناً تفاؤله بنجاح الاتفاق، وقال ولد لبات: «كانت أياماً قاسية ومضنية، خفنا من أن تتجه الأمور نحو مصائر دول أخرى ضاعت في المنطقة، ولكننا لم نيأس مطلقاً، وحذرنا طرفي التفاوض من خطورة الوضع، ومحاذر الانزلاق». وأضاف أن الاتفاق على الإعلان الدستوري من قبل المجلس العسكري الحاكم وقادة الاحتجاج لا رجعة عنه، وأن ما دفع مسار توقيع الاتفاق هو ارتفاع مستوى الوعي بأن الوضع الراهن في البلاد لا يمكن أن يطول أمده.
وأوضح ولد لبات: «أعتقد أن السودانيين أحدثوا تغييراً مهماً بتشكيل بالاتفاق على هياكل الدولة المدنية، وهذا مهم، ولكن هناك الأهم، فمن الضروري أن تنتبه قوى الحرية والتغيير لثلاثة أشياء (الثورة المضادة أو محاولات الردة، ووحدة مكونات الحرية والتغيير، والعلاقة مع القوى النظامية)، ولا سيما الجيش والدعم السريع».
وقال: «الشعب السوداني عظيم وصلب، دافع بصلابة عن حريته وإقامة دولة مدنية. سأكتب مجلداً كاملاً عن هذه المحطة التي أعتبرها الأهم في مسيرتي الدبلوماسية، وفي عملي مع الاتحاد الأفريقي، ونتفاءل بنجاح التجربة لو راعت القوى السياسية والمدنية السودانية هذه المتطلبات، وتلكم المحاذير».
وأكد أن التحديات التي تواجه مؤسسات الحكم الانتقالي في السودان كثيرة جداً وتطال مجالات عدة، لكنه أعرب عن ثقته في أن هناك إرادة لدى مختلف الأطراف لتجاوز تلك التحديات. وشدد ولد لبات على أن الثورة السودانية شهدت، بالتوقيع على وثيقة الإعلان الدستوري، تحولاً أساسياً في مسارها، يدفع في اتجاه تحقيق الديمقراطية.